ليست المرة الأولى التي تفعلها مجلة "جون أفريك" الفرنسية. فيبدو أن نشر الأخبار غير الصحيحة عن المغرب خصوصاً أصبحَ ديدَناً لهذه المجلة، التي تعتمد على مصادر "موثوقة"، قبل أن يتضح أن ثقتها كانت في غير محلها، أو أنها تعتمد مبدأ "جيب أ فمّي وكَول".
آخر هذه الأخبار الحصرية التي نشرتها المجلة كان عن "إسكوبار الصحراء"، وكان تقريراً مطولا يكشف ما وصفته بجديد القضية. ولم تكتفِ المجلة بنشر تقرير فضفاص يترك لها وللقارئ على الأقل مساحة للتخمين، بل ذكرت أسماءً بعينها وتفاصيل سيتضح فيما بعد أنها لم تكن صحيحة.
من حق "جون أفريك"، وأي وسيلة إعلامية أخرى ولاشك، أن تجتهد، وأن تصيبَ، وأن تخطئ أيضا. لكن، عندما تكثر هذه الأخطاء، أو بعبارة أدق "التنبؤات"، في حق بلد بعينه، يكون في الأمور وفي النفوس شيءٌ من حتّى.
فقد سبقَ للمجلة أن "تنبّأت" بتعديل حكومي، لم تكتفِ فيه كعادتها، بما تفعله العرّافة الشهيرة ليلى عبد اللطيف، والتي تطلق كلاما فضفاضا يمكن أن يتسع لعشرات الاحتمالات، مما يجعل الناس يميلون إلى تصديقها عندما تقع حادثة ما.
أكيد أنه من السهل أن تقول أن زلزالا – مثلا - سيضرب المنطقة العربية لا قدر الله، وأكيد أن دورة الطبيعة قد تؤيد ذلك، فإذا حدث في مكان ما، في زمن ما، خلال السنة، كانت عبد اللطيف صادقة، وحتى إن لم يحدث فالأمر يتعلق بعرّافة على أية حال، وليس بوسيلة إعلامية أول ما يفترض فيها "المصداقية".
"جون أفريك" اختارت التنبؤ يوما بالتعديل الحكومي، وتحدثت عن وزيرين بعينهما هما اللطيفان وهبي وميراوي، لكن لا الأول رحل ولا الثاني تغّير بوزير آخر.
وبالتالي، فإن مصادر "جون أفريك" كانت تبيع العجل للمجلة، أو أن المجلة تتعمد فعلا إطلاق الشائعات والتنبؤات على شكل تقارير يفترض فيها أنها مهنية وذات مصداقية.
ما قيل عن التعديل الحكومي انطبقَ على قضية "إسكوبار الصحراء" التي، كما ذكرت النيابة العامة في بيان، تجري "وفق المساطر القضائية المقررة قانونا"، وأنها كشفت "عدد الأشخاص المشتبه تورطهم فيها، حيث يجري التحقيق معهم حاليا من طرف قاضي التحقيق بناء على الملتمس الذي تقدمت له به النيابة العامة حول الأفعال المنسوبة لكل واحد منهم".
وبالتالي فإن أية اجتهادات إعلامية في هذا الباب، خصوصا إذا كانت كاذبة أو من وحي الخيال، ستكون فعلاً مشوشة ومضرة بالتحقيق.
ثم، كيف خرج فجأة من يقول أن هذه المجلة هي من فجرت القضية؟
هكذا، وكأن كل هذه الجهات الأمنية في المغرب لم تكن على علم بما يحدث، وأنها كانت تنتظر مجلة جون أفريك لتخبرها بحقيقة الأمر؟
الجهات الأمنية في المغرب التي يعرف الجميع أنها تحظى باحترام واعتراف دوليين، لا يختلف حوله اثنان، والكلام هنا ليس مُرسلاً، بل حقائق يؤكدها التعاون الدولي الذي يكون للمملكة دائما فيه نصيب.
أكيد أن جون أفريك لا تحتاج دروسا في أخلاقيات المهنة، لكن ربما تحتاج الاعتماد على مصادر أكثر مصداقية، والابتعاد عن التنبؤات والخيالات، لأنها لا تجر سوى السخرية.